1يتمتع العراق بمكانة مهمة في التاريخ القديم ليس لكونه مهد الحضارة البشرية فقط إنما لموقعه المهم الذي أثر في تركيبة سكانه منذ القدم إلى الوقت الحاضر. وقد كان له الأثر الكبير في توافد الأقوام إليه باستمرار؛ فمن شبه الجزيرة العربية والبوادي الشمالية الغربية نزحت إلى العراق أقوام كان آخرها القبائل العربية؛ ومن الأقاليم الشرقية والشمالية الشرقية وفدت إلى العراق أقوام عديدة من أصول هندوأوربية؛ كما اتصل سكان العراق منذ أقدم العصور بأقوام أخرى عن طريق التجارة والأسفار والحروب، فأثرت فيهم وأثروا فيها. فيما تغلغل البعض منهم إلى العراق القديم ودخلوا في تركيبته السكانية. وقد تبلور عن هذه الهجرات توافد تأثيرات كبيرة على العراق ومن نواحي عديدة استمرت إلى يومنا هذا؛ لعل من أهمها التأثيرات الدينية أو الديانات. وما يهمنا هنا هي الديانة المسيحية التي كانت ولا تزال واحدة من أكثر الديانات انتشاراً في العراق إذ تعد الديانة الثانية بعد الإسلام من حيث عدد الأتباع. وهي ديانة معترف بها في الدستور العراقي، الذي يعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية يتوزع أبناؤها على أنحاء مختلفة من البلاد، وتتكلم نسبة عالية منهم اللغة الخاصة بهم. كما يعتبر الدستور المسيحيين العراقيين من السكان الأصليين في هذا البلد قبل الفتح الإسلامي؛ وشأنهم شأن الطوائف الأخرى، يشكلون جزءًا مهماً من النسيج العراقي.

2وقد كانت هناك دراسات كثيرة حول هذه الديانة وتوافدها إلى العراق ودراسة بقاياها الأثرية والوقوف على أقدم الأديرة فيها والتي نشأت عنها اختلافات في آراء الباحثين حول الكثير من المواضع المتعلقة بها. ومن هذا المنطلق تأتي المائدة المستديرة العالمية بعنوان «المسيحية في العراق في مطلع العصر الإسلامي» لتلقي الضوء على بعض تلك المواضيع بشكل علمي دقيق ولتكشف عن جانب مهم لتاريخ المسيحية قبل الإسلام، وكشف النقاب عن أبرز آثار الديانة المسيحية والإجابة عن الكثير من الأسئلة التي ما زالت تطرح حولها وحول انتشارها في العراق، والأقسام الرئيسية لمسيحيي العراق حسب الأصول التاريخية والجغرافية والمذهبية، كالكلدان والآثوريون والسريان والأرمن. ومن هذا المنطلق، عقد قسم الآثار في جامعة صلاح الدين في أربيل المائدة المستديرة العالمية تحت عنوان «المسيحية في العراق في مطلع العصر الإسلامي» بالتعاون مع المركز الفرنسي للشرق الأوسط (Ifpo) وهي فعالية من فعاليات وأعمال قسم الآثار العلمية، انطلاقاً وإحساساً بالمسؤولية تجاه علم الآثار في كوردستان العراق وهذا هو الدافع وراء عقد قسم الآثار في جامعة صلاح الدين وبشكل مستمر العديد من المؤتمرات وورش العمل والسيمينارات والتنقيبات الأثرية وإقامة المعارض الخاصة بالآثار في كوردستان العراق، لنشر الوعي الآثاري وحماية المواقع الأثرية في المنطقة.

3شارك في ورشة العمل هذه ١٧ باحثاً من داخل العراق وخارجه لإلقاء الضوء على التواجد المسيحي في العراق في صدر الإسلام، من جميع النواحي التاريخية والجغرافية والاجتماعية والعقائدية والسياسية والتراثية والفلكلورية عن مسيحيي العراق مع ظهور الإسلام. يسعدني أن معظم المحاضرات نُشرت مقالات في مجلة الدراسات الشرقية.